قصة زليتن ومأساة ماجر

(من أرشيفي): قصة زليتن ومأساة ماجر (بتصرف لا يخل بالأصل)
مرسلة من مواطن ليبي بالداخل وصامد بإذن الله حتى الموت.

في مكان من الارض الليبية يسمى زليتن، ويسكن هذا المكان عدة قبائل الغالبية فيه عربية، كان أهلها يعيشون كسائر البشر، متلاحمين ليس بينهم من ينغص الحياة الا بعض الجرائم التي قد تقع بين الحين والحين، كان أهلها ينبذون الجريمة والمجرمين، وكان شبابها معروفين بكثرة العمل والدراسة وحفظ القران الكريم، كانوا متساوون غنيهم وفقيرهم، يسودهم الاحترام. حتى جاء العدو لكي يفسد كل شيء. في 17 / 2 / 2011 ف خرج عدد لا يتجاوز 200 بين رجل وشاب واحتلوا جزيرة الدوران التي تتوسط المدينة وكان السلاح بينهم من البداية وأقسم على ذلك. جاء خطاب القائد معمر القذافي وبدأ في المساء لينتهي عند صلاة المغرب تماما. ما حدث عجيب وغريب تتعالى الهتافات باسمه وباسم ثورة الفاتح في كل زنقة منها، في مركز مدينتها والمناطق التي حولها وأريافها. هتاف واحد… بشر لم أر مثله من كل حدب وصوب وكأنه سيل منهمر… هتاف يتعالى: يا قذافي يا قذافي شعب زليتن كله وافي. هجوم على من خالف رأيهم بالعصي والحجر، رد علينا هؤلاء بالرصاص الحي. أصيب من أصيب ولكن الله سلم وتم النصر بعون من الله ليهزم ليفي وأعوانه أول هزيمة شعبية بعد الهزيمة الكبرى لهم بالخطاب التاريخي الشهير للقائد “زنقة زنقة دار دار.”

وبدأت الحرب كان ولازال وأنا أوكد وأشهد الله على هذا أن ما يقارب 90% من زليتن مؤيد للنظام الجماهيري. بدأت الغارات الغربية الكافرة على المدينة مكثفة في الشهرين الأخيرين 7 و8 من سنة 2011 ف. كانوا شعب يضرب به المثل لولا المنغصات الموجودين في جميع المدن الليبية… كنا نعاني حقيقة. وكان غيرنا يفبرك الكذب على المدن المحتلة وهي تعيش براحة بالمساعدات القطرية والغربية، كانت قد سقطت بالفعل تحت الاحتلال. يؤسفني هذا نحن نقصف والذين تحت الاحتلال يصفقون لأن منهم من هو في المناطق التي لا تزال حرة تحت النظام الجماهيري. كانت الغارات وقصف الصواريخ البحرية بمعدل كل نصف ساعة تقريبا، ولا تقصد الجيش أبدا بل مستودعات أو معسكرات قد كان الجيش قد أخلاها.

وفي ليلة من الليالي مع ساعات الليل التي لا يوجد بها كهرباء، في مكان يبعد عن بيتنا الشي القليل، في مكان ظن أهله أنهم بمأمن من صواريخ توما هوك التي ما انفكت تقض مضجع المناطق المطلة على البحر، اجتمع أهل بيتين مع بعض الجيران وعدد من العائلات من أقاربهم وأصدقاء لهم هربا من الاشتباكات بمناطق نعيمة والدافنية وازدو وهي مناطق معروفة بمدينة زليتن وكانت معهم عائلتين من بنغازي. وكما هي العادة لدى جميع المناطق الليبية ونظرا لوجود النساء والأطفال بالبيتين اجتمع الرجال حول البيتين في خيام أعدت للضيوف وجلسوا يتسامرون ويتناقشون فيما آلت له البلاد. كان صيفا باردا بالليل. قصفت الطائرة بجانب البحر وذهبت. وبعد فترة قصيرة بدأت تنخفض شيئا فشيئا… تضئ القنبلة… إنها تقصف.

بعد أن كنا جالسين وقفنا وقلنا: “يا ساتر، يا ساتر استر، قريبة زعما وين؟”، “ولع الافيكو، لنذهب ونرى.” بقي من بقي وركبنا سيارة النافطة متجهين إلى المكان. وقبل وصولنا عادت الطائرة. “أوقف… أوقف يا ساتر استر” قصفت نفس المكان وعادت أدراجها. نعم لتفرحوا يا أهل فبراير، افرحوا وافرحوا فالحرية لكم. أكملنا طريقنا إلى المكان… ويا ليتنا لم نكمل. كان الموقف صعبا جدا. لا أخفيكم كنت قد رأيت قصفا من قبل ولكن ليس كهذا المنظر، أطفال رضع متناثرة وتحت الأنقاض. كنا وكان الجميع يتقدم ويتراجع من هول ما رأى. النساء أشلاء، أطفال من الرابعة تقريبا الى العاشرة من العمر، رجال بدون أطراف، أمعاء وقلوب ورؤوس، أيدي وأرجل. يا لهذا الهول… الصراخ، البكاء لازال يرن في أدني. لم أر رجال يتباكون كما رأيت. كنت أحدهم أنقل وأبكي… أبحت وأصيح. ربما أجد جريح. ما هذا كلهم أموات… سيارات الاسعاف بدأت تنهال دون جدوى… الصيحات تتعالى هناك جرحى. أين؟ أين؟ إنهم خارج المنزل قد ألقوا خارجا من القصف. ارفع … ارفع … أكيد يبو دم. ذهب من ذهب للمستشفى وبقي الاخرون يبحثون ويبكون.

مع الساعة الثالثة والنصف صباحا، أقف مع أحد أعرفه من أهل البيت: “الحمد لله على السلامة يا فلان.” إه.. إه… إه… ويبكي وتبكي المجموعة من جديد. “تكيف صار يولد؟ صار أن الضربة الأولى جت في الحوش وكان نساء وأطفال، وقدم الرجال على أثر الضربة الأولى… وجاءت الثانية فضربت البيت المجاور، وكان الرجال يسحبون النساء وآخرون يصيحون للنسوة بإخراج الأطفال فكان ما كان.”

وبعدها صباحا جاءت الدولة وعلى رأسها أمين اللجنة الشعبية العامة ولكن كالعادة بدون جدوى ولكن في هذه المرة معذورة لان الحرب قد قامت ولا تستطيع الا ما بيدها فقط. بعدها بأيام نتفاجأ بمن يقول إن القذافي هو من قصف. كيف واقسم بالله الطائرات هي من قصفت نحن جيران… وبعدها يغيرون يقولون الجيش من وضع أجهزة اتصال على البيت. أيها الأغبياء وكيف للرجال ان يتفرجوا على نسائهم واطفالهم ويتركوا الجيش. إنهم كاذبون. وقبل أن نسمع هذا وفي مساء اليوم الثاني للمذبحة ذهبت مجموعة من الشباب المتطوع للجبهة كانوا من الأقارب والجيران. شي داروه في الجردان ما يتخبر عنه وهذي بالليبي… وأقسم لكم بالله العلي العظيم أن من قصف ماجر طائرات مقاتلة، والبيت لا يتواجد فيه جيش ولا أجهزة اتصال.

حسبنا الله ونعم الوكيل.
سالم عبد الله

الحركة الوطنية الشعبية الليبية